رعاية الحبّ المبكّر
قصص العلاقات العاطفية بين المراهقين
إهمال أولياء الأمور وقلة الوعي واستيعاب المشاكل يؤدي إلى انزلاق الأبناء والتستر على العلاقات العاطفية
الموبايل والستلايت وأفلام بعض الفضائيات غالبا ما تثير مشاعر الأبناء المراهقين
غياب فرد من أفراد العائلة عن المنزل أو غياب كلا الطرفين معا يؤدي إلى حدوث نوع ما من الخلل العائلي
< المنارة - جاسم العبيدي
لقد عرف الحب طريقه إلي دفاتر التلاميذ وجدران المدرسة وأزقة الشوارع ومواقف الباصات والأسواق العامة ومحلات الأزياء والنوادي والمتنزهات في الوقت الذي ظل فيه المجتمع قابعا تحت ركام سبات عميق من الأفكار والمعتقدات والأوهام دون أن يعير اهتماما خاصا بما يمر به الأبناء من حالات نفسية وسيكولوجية قد تغير في نهاية الأمر من مجرى حياتهم أو تؤدي بهم إلى طريق المهالك وما لا تحمد عقباه.
الأمر في حقيقته ليس في غاية الخطورة إذا ما بادرنا إلى إعادة ترتيب الأوراق وإبداء النصيحة والمشورة والاستماع إلى آراء الأبناء والانفتاح عليهم دون استخدام وسائل العنف وردعهم بالطرق الوحشية التي كان آباؤنا يتعاملون فيها في مجتمعهم لأنهم يعتقدون أن المجتمع حسب رأيهم ما زال تحكمه التقاليد القديمة والأفكار السابقة متنكرين لكل ما هو جديد في مجتمع اليوم الذي اطلع فيه الأبناء على ما لم نطلع عليه في عصور مضت لان عصرنا هو عصر الستلايت والموبايل والفضائيات المختلفة التي غالبا ما تثير المراهقين وتدفعهم إلى تصرفات نعتبرها نحن في مجتمعنا منكرات لا يمكن السكوت عنها.
تقول السيدة احلام هدير انها لاحظت تغيرات كثيرة في حياة ابنتها دون إذ شاهدتها في موقف جعلها تفكر كثيرا في امرها قبل ان تتحدث معها فيه وتضيف لقد شاهدت ابنتي البالغة من العمر عشر سنوات تقبل اخاها على طريقة الافلام العربية وتجبره على تمثيل ما شاهدته في احد الأفلام من رقص وتقبيل وقالت إنني شعرت بالخجل بادئ الأمر لكنني تلافيت الموضوع وأخذتها إلى غرفتي وتحدثت معها بطريقة عرفت من خلالها أن ما يجري في الأفلام ما هو إلا تمثيل لا تألفه عاداتنا الاجتماعية وأقنعتها بالعدول عن ذلك العمل وذكرت إنني لو لم أكن على قدرة على المعرفة والتصرف اللبق لكانت ابنتي وأخوها ضحية ما تشاهده من أفلام على شاشة التلفاز.
وتقول السيدة أم علي أن ابنها التلميذ في الصف الثالث المتوسط يعيش قصة حب مع طالبة في الصف الرابع الثانوي ويتحدثان أحاديث غزلية طويلة علي الموبايل ويتبادلان الرسائل الغرامية وتضيف أنها تعيش حالة من الذهول والقلق لعناد ولدها وإصراره على مواصلة الحديث مع تلك الطالبة موضحة أنها تخاف عواقب تلك الأمور ولا تدري ما الذي تفعله إزاء ما يحدث وهي تخاف من الفضيحة وحصول ما لا يحمد عقباه ولا تدري ما ستؤول إليه الأمور.
وذكرت السيدة أم ناهدة أنها اكتشفت أوراقا في احد دفاتر ابنها كتبت فيها رسائل غرامية وأشعار غزل وكتابات أخرى وأوراق عليها رسم قلبفي داخله سهم وقد كتب عليه احبك يانجلاء حتى الموت فأصبت بصدمة شديدة وأسرعت إلى ابني استفسر منه فأخبرني أنه كتب هذه الرسائل لمدرسة الحاسبات في المدرسة لأنه معجب بها ولا يستطيع أن يصارحها بهذا الإعجاب فقرر أن يكتب لها هذه الرسائل بصمت تعبيرا عن مشاعره تجاهها .
تلميذ آخر بالصف الرابع الإعدادي قدم لأخت صديقه خاتما من الذهب عليه اسمه وطلب منها أن تلبسه عند خروجها من البيت إلى المدرسة لئلا يشعر احد بها وعندما أخبرته أنذلك سيخلق لها مشاكل أسرية فوجئت به في اليوم التالي يحضر أخته لتتحدث إليها وليجعل من تعارفها وسيلة لقبول هديته مؤكد لها أهمية رغبته في أن يراها ترتدي ذلك الخاتم لأنه يحبها ولا يستطيع الاستغناء عنها فما كان من الطالبة إلا أن قالت له إنها تحبه مثل أخيها ولا تستطيع عمل شيء يجعلها في نهاية المطاف مثقلة بهموم تبعدها عن دراستها وتعيق تقدمها العلمي طالما هي لا تفكر في الارتباط بأحد في الوقت الحاضر على الأقل قبل تخرجها في الجامعة وسارعت إحدى الأمهات الاتصال بوالدة شاب اخبرتها عنه ابنتها انه لا ينفك عن ملاحقتها عند خروجها من البيت إلى المدرسة ويسمعها كلمات الغزل وإطراءات الإعجاب وعند الاتصال بوالدته اكتشفت أن والدته منفصلة عن والده وأن ذلك الشاب يعيش في بيت والده الذي تزوج من زوجة أخرى وهي لا تدري عن تصرفاته أي شيء ونصحتها بالاتصال بوالده الذي ما إن اتصلت به حتى قال لها انه يريد رؤيتها والتحدث إليها حول الموضوع وتضيف أنها حاولت أن تبلغ زوجها الخبر لكنها تقف مكتوفة الأيدي معقودة اللسان عندما حاولت التحدث إلى زوجها وعند اتخاذها قرار المواجهة علمت أن الأب لا يقل سلوكية عن ابنه في العلاقات العاطفية ولذلك قررت إبلاغ احد أقاربها فقام بتهديده إن تعرض لها.
إحدى المدرسات في مدرسة ثانوية تقول دخلت حصتي بأحد الدروس فوجدت طالبة بالصف الخامس الإعدادي تجمعت حولها مجموعة من الطالبات من زميلاتها وهي تبكي بحرقة وعندما سألتها عن أمر بكائها أخبرتني أنها تحب مدرس الفيزياء بالمدرسة وتشعر بحزن عميق عندما تعجز عن توصيل مشاعرها إليه وتتمني أن يبادلها نفس المشاعر لأنها تشعر بالحزن الشديد والخوف من المجهول وهي في نهاية العام الدراسي وتقول إنها لن تستطيع رؤيته مرة أخرى... ومدرس في إحدى المدارس المتوسطة وجد أحد تلاميذه بالصف الثاني متوسط وهو يبكي وعندما سأله عن سبب بكائه أخبره أن صديقته سوف تقطع علاقتها به لأنه لم يستطع مقابلتها في يوم امتحانه وأكد الطالب أنه سوف يموت لو حدث ذلك وأنه سوف يقتل نفسه إن هجرته ولم يستطع رؤيتها مرة أخرى.
مدرس في إحدى الكليات فوجئ بطالبة في المرحلة الثانية من الكلية تطرق باب الصف وتستأذن المدرس في أن يسمح لها بتقديم هدية لزميلها في الصف الثالث من نفس الكلية احتفالا بعيد ميلاده متحدية الأعراف والتقاليد الاجتماعية لأنها معجبة به جدا ولم تستطع أن تلفت نظرة فقررت أن تنتهز فرصة وجوده في قاعة المحاضرات لتلفت انتباه زميلاته فلا تسمح لأحد منهن الاختلاط به.
وذكرت إحدى معلمات مدرسة ابتدائية أن طالبة بالصف الخامس الابتدائي تعيش قصة حب مع ابن عمها بالصف السادس الابتدائي وتؤكد لوالدتها، أنها لن تتزوج إلا ابن عمها لأنها لا تستطيع أن تفكر في احد سواه ولاحظت والدتها أنها دائما ما ترسم شكل القلب على جميع كراساتها وتحرص على وضع اسمها واسم ابن عمها على الرسم وترسم ولدا وبنتا وتضع يدها بيده .
وطالب في المرحلة المتوسطة يصرح لأخته بالمرحلة الإعدادية أنه معجب بصديقتها التي تذهب معها إلى المدرسة لأنه معجب بلون عينيها النرجسي وشعرها الأشقر مثل شرائط الذهب وأصبح يفكر بها وينتظرها, عندما تأتي إلى البيت ليتحدث معها وتضيف أخته إن أخاها يحاول الاطلاع على ألبوم الصور الخاص بها ويتأمل شكل صديقتها التي لم تستطع هي يوما التحدث إليها بمثل هذا الحديث لكنه يصر على التحدث معها وممازحتها بشتى الكلمات الغرامية مما لفت انتباهها فأخبرتني بذلك وعندما فاتحتني بالخبر علمت أنها تبادله الشعور نفسه فيما كانت قبل ذلك معجبة بشخص آخر كانت تلتقيه بين الحين والآخر لكنها قالت انها تركته بسبب علاقتها بأخي.
وتقول إحدى المشرفات التربويات بالمدارس الحكومية إن هذه الظاهرة تنتشر بين طلبة وطالبات المدارس بسبب عدم ايلاء أولياء أمور الطلبةابناءهم الرعاية الكافية وتعليمهم وتثقيفهم على الأخلاق الحميدة ورعايتهم عند بلوغهم مرحلة النضج وإفهامهم مبادئ الخير وما هو الصحيح في تصرفاتهم من الخطأ وإفهامهم أن التربية الحديثة تؤكد على الالتزام بالأخلاق والتصرف الجيد وحثهم على الانصراف لمتابعة دروسهم وعدم اختلاطهم بأصدقاء السوء ومن المعلوم ان مشاعر الحب والرغبة في معرفة الجنس الآخر تبدأ أسرع عند البنات منها عند الأولاد لأن البنت تحدث لها مجموعة من التغيرات الفسيولوجية السريعة.
ولكن ما هو تفسير علماء النفس والاجتماع لظاهرة تلك القصص؟
الدكتور نمير عبد الحسين أستاذ الطب النفسي يرى أن حب الأطفال هو نوع من أنواع الإعجاب أو الإحساس بالفقدان والسعي إلى تعويض هذا الفقدان ويختلف تفسير هذه النوعية من العلاقات بالنسبة لكل من الولد والبنت. فالطفل يحتاج إلى من يرعاه عاطفيا بالمنزل ويعمل على توجيهه والأمر يختلف بالنسبة للبنت لأنها عندما ترتبط بعلاقة حب فإن ذلك ما يمكن أن نطلق بالأمومة المفقودة كما أن البنت خلال سنوات المراهقة التي تبدأ في المرحلة الإعدادية تشعر بحالة من الخجل الشديد تمنعها من إقامة أي علاقة وعندما تجد أنها تحررت من بعض قيود المنزل تتولد لديها رغبة أكبر في إقامة أي نوع من أنواع علاقات الحب وذلك لشعورها بالخوف الشديد أو الوقوع في براثن علاقة لا تستطيع السيطرة عليها فتقع في الخطيئة.. ويضيف: إن لوسائل الإعلام دورا كبيرا جدا في تدعيم العلاقات الطيبة والمساعدة علي انتشارها.
وتقول الباحثة الاجتماعية مها عبد الستار ان للمشاجرات العائلية المستمرة وما ينتج عنها من حالة التوتر وعدم الاستقرار العائلي آثاره السلبية على حياة الأبناء وخروجهم عن المألوف كما تضيف أن الأزمات الاقتصادية والسعي المستمر وراء المكسب للوصول إلى مستويات جيدة
فيؤدي إلى غياب فرد من أفراد العائلة عن المنزل أو غياب كلا الطرفين معا ينشأ عنه نوع ما من الخلل العائلي وهنا لا يجد الأبناء أمامهم إلا البحث عن مشاعر الحب خارج المنزل فيصابون بحالة من التوتر وعدم الاستقرار، أو بسبب المستوى الثقافي الهابط الذي يؤدي إلى تداخل العواطف لديهم فيخلط بين عاطفة الحب والأمومة والأخوة.
الجمعة يوليو 31, 2009 7:41 pm من طرف 
